2

 بيتنا القديم بين الفقر والسعادة

إنه الحنين إلى الماضي الجميل، ذلك الشعور بالاطمئنان الذي يغمرك عندما تذهب إلى بيتك القديم، أو تقلب أوراق ذكرياتك أو تطالع صورك مع الأهل والأصدقاء، وتسترجع شريط الذكريات وكيف كانت حياتك اليومية في المدرسة والشارع والجامعة، وكيف كانت وأصبحت عادات الناس وأخلاقهم.

الحقيقة أخر زيارة لي لمنزلنا القديم الذي بنيته ووالدي يداً بيد رحمه الله والذي كان يجمعنا ونتنفس أرواحنا النقية في غُرفه بكل الحب والرفاهية البسيطة التي عشناها وعشنا فيه تفاصيل طفولتنا وشبابنا وزواجنا ورحيلنا منه للبحث عن لقمة العيش مع أبنائنا.

الحقيقة ظلت بركة الوالد والوالدة معي إلى أن غادرته مع أولادي إلى مسكن آخر، حيث استقل كل إخواني وكل منهما بشقة وأصبح يسكنه الأشباح وفي المقابل كل أفراد الأسرة رافق الأبناء من الجيل الثالث والجيل الرابع الذي بدأت تظهر براعمه في الحياة.

 ارتباطي بالمنزل القديم يعذبني كلما ذهبت إليه, أرى أبى وأمي إخواني وأخواتي صغاراً في كل ركن وأشعر بهم يتحركون فيه كأنهم لم يغادروه إطلاقاً!😓😢😢

رغماً عنى أجدنى لأعود وأتذكر كيف كنا فقراء وسعداء، نقودنا القليلة مُغلفة بعزة وكرامة، برضا وقناعة، لم نعرف فضائيات ولا فيسبوك أو إنترنت، وكانت آخرة الشقاوة صفارة لابن الجيران لإدارة لعب الكرة في شوارع الحي.

 والانحراف لو وجد أن تدخن سيجارة في الخفاء😀

شريط سينمائي لحياتي مراهقاً وشاباً في الثمانينيات الهجرية وحادثة جهيمان والغرب وأمريكا تضغط علينا ونحن صامدون لا نأبه بها. ولا نعرف الإرهاب بكل أشكاله.

 كما ولم نعرف شكل الدولار ولا الماركات العالمية نرتدي ملابس وأحذية وجوارب صناعة يدوية.

 كانت هناك فاكهة للصيف وأخرى للشتاء لم نعرف دفايات وتكييف حار وبارد ولا محاصيل طوال العام.

 لم يكن هناك تمييز بين الطبقات الجميع يركبون وسائل المواصلات البسيطة والسيارات تكاد تكون معدومة

 لا فيلات ولا قصور ولا منتجعات وكان الفول والعصيدة وكبسة الأرز قوتنا ومن أهم صادراتنا الزراعية الخضروات وعنب الطائف ورمانه.

كانت الوطنية في أوج مجدها وكان شعارنا يد تبنى ويد تحمل السلاح كلا في شأنه ودوره ومهماته لا نعتني بالسياسة ولا نعرفها.

كرامتنا في السماء وصوت إذاعتنا يغزو كل بيت وأنشأنا الإذاعات الإسلامية من رحاب الحرمين والموجهة بكل لغات الأرض.

لم نكن نرتدي ملابس اليوم بظاهرها، بل كان رداؤنا الأخلاق الحميدة والاحترام المتبادل وكلمة الرجل التي كانت أضمن من أي عهد

 كانت هذه السعودية وكان هذا جيلنا من قبل ومن بعد ولا زلنا متمسكين بها

وأسأل نفسي وأنا محاط بذكريات الثمانينات الهجرية والتسعينيات: لماذا لم نكن نتذمر أو نشكو؟

لماذا رضينا بالقليل وأقل منه؟ 

 الكلمة السحرية بالنسبة لي كانت المساواة

للأسف مرت السنون لنكتشف أن جيلنا وجيل آبائنا قد أضاع مجهوده هباء، فقد أصبح بلدنا يستورد كل شيء ونفقد  جُل دخلنا من العُملة الصعبة على منتجات لا تجدى.

بعنا مزارعنا هجرناها، وجاء جيل بعضه يشكو ولا يعمل يكذب ويفبرك يعتمد على غيره.

لا يحترم كبيراً أو صغيراً.

يستمع إلى الأغاني الهابطة وكأنها طرب أصيل، نلبس زياً دينياً بلا أخلاق، فالكذب والنفاق والنميمة والفضول والتطاول، أصبحت من سمات العصر.

 أصبح الجشع والطمع والرغبة في الوصول مهما كانت الطريقة من المُسلمات، وأصبح المال هدفاً في حد ذاته وليس وسيلة.

تغيرنا كثيرا  الحقيقة

 تخيل لو أن هذا الجيل قد طلب منه الآن ربط الأحزمة كما طلب منا أو الاستغناء عن الاستيراد كما فعلنا أو يضطر لغسل ملابسه كما غسلنا أو يشترى مستلزماته من صناعة وطنه فقط كما لبسنا أو أن يصنع جلباباً وصابونه كما صنعنا أو يكتفى بالفول والجبن والحلاوة كما أكلنا أو أن يعتبر الشاي رفاهية كما اعتدنا.

فهل سيقبل  أم أنه سيمتنع ؟

آه لو عاد الزمان بنا لنلتمس قبساً من الصبر الذي ذقنا حلاوته وكنا نعلم نهايته.

فهل أنتم معي في صحة هذه النظرية؟؟؟ :

كل منا يحن لهذا الماضي زمن الطفولة والشباب الخالي من المسئوليات والمخاوف كل منا يراها أيامًا دافئة في عمق العلاقات بين الأهل والأصدقاء والجيران.

 كل منا عندما يرى من كانوا جزءًا من أيام طفولته وشبابه حتى ولو لم يكن يتفاعل معهم، لا شك يسعد بهم فجميعهم جزء من ماضيه الجميل.


خاتمة:

المال لا يجلب السعادة لكن يسمح لنا أن نعيش تعاستنا برفاهية.


دمتم بخير


إرسال تعليق

  1. مقال جميل حوى الماضي بحلوه ومره .. ذكرياته من افراح واتراح .. عكس صور تلك الأيام الجميلة .. جزئية بسيطة استوقفتني وهي هذه ..
    للأسف مرت السنون لنكتشف أن جيلنا وجيل آبائنا قد أضاع مجهوده هباء، فقد أصبح بلدنا يستورد كل شيء ونضيع جل دخلنا من العُملة الصعبة على منتجات ..
    ياسيدي ليس ذنبنا ولا ذنبهم .. لصبرهم كانت خيرات الباري تهل كالمطر علبهم .. فكانوا حريصين كل الحرص على تأمين كل شي بأيسر الطرق واسرعها من كافة مستلزمات الحياه ..
    ثم سهى وقتها على الكل والكليل بناء قاعدة الإكتفاء الذاتي فأستوردنا مانحتاج ومالا نحن في حاجته فكانت النتائج موجعة .. الحوم حول اسباب ذلك قد لا نكون ولا اباؤنا سببا فيها .. ولن ازيد .. لذلك خرج جيلا مهلهلا إتكاليا وهي مصيبة الوطن العربي كله إلا قليل من تلك الشعوب .. الامر لله من قبل ومن بعد ..
    المقال اعادني ٤٠ عام للوراء من خلالةقرأتي له تصورت معك تلك الايام وصروحها من الأباء والأمهات الذين ربوا رجالا وامهات للمستقبل لكن غزو الافكار والموضة والعتبه قزاز والسلم نايلو في نايلوا كان اكبر من امانيهم فخرج ماتراه اليوم من عك ورك في الموروث وقل حوله ماشئتة.. واصبحت وذ نكهه .. وذ مخرج السمة الطاغية .. نسأل الله السلامه .. في الختام شهادتي مجروحه في حروف صدق عكست واقع الحال .. والله المستعان ..

    ردحذف

نرحب بك في موقعنا ونشرف برأيك فرأيك يهمنا وفقك الله

 
الى الاعلى