0

يحكى أن رجلاً كانت وظيفته ومسؤوليته هي الاشراف على الأباريق لحمام عمومي، والتأكد من أنها مليئة بالماء بحيث يأتي الشخص ويأخذ أحد الأباريق ويقضي حاجته ثم يرجع الابريق الى صاحبنا، الذي يقوم بإعادة ملئها للشخص التالي وهكذا.

في إحدى المرات جاء شخص وكان مستعجلا فخطف أحد هذه الأباريق بصورة سريعة وانطلق نحو دورة المياه، فصرخ به مسؤول الأباريق بقوة وأمره بالعودة اليه فرجع الرجل على مضض، وأمره مسؤول الأباريق بأن يترك الابريق الذي في يده ويأخذ آخر بجانبه، فأخذه الشخص ثم مضى لقضاء حاجته، وحين عاد لكي يسلم الابريق سأل مسؤول الأباريق: لماذا أمرتني بالعودة وأخذ ابريق آخر مع أنه لا فرق بين الأباريق، فقال مسؤول الأباريق بتعجب: اذن ما عملي هنا؟!

ان مسؤول الأباريق هذا يريد أن يشعر بأهميته وبأنه يستطيع أن يتحكم وأن يأمر وأن ينهى مع أن طبيعة عمله لا تستلزم كل هذا ولا تحتاج الى التعقيد، ولكنه يريد أن يصبح سلطان الأباريق!

ان سلطان الأباريق موجود بيننا وتجده أحياناً في الوزارات أو في المؤسسات أو في الجامعات أو المدارس أو في المطارات، بل لعلك تجده في كل مكان تحتك فيه مع الناس! ألم يحدث معك، وأنت تقوم بأنهاء معاملة تخصك، أن تتعطل معاملتك لا لسبب الا لأنك واجهت سلطان الأباريق الذي يقول لك: اترك معاملتك عندي وتعال بعد ساعتين، ثم يضعها على الرف وأنت تنظر، مع أنها لا تحتاج الا لمراجعة سريعة منه ثم يحيلك الى الشخص الآخر، ولكن كيف يشعر بأهميته الا إذا تكدست عنده المعاملات وتجمع حوله المراجعون. 

انه سلطان الأباريق يُبعث من جديد! 

انها عقدة الشعور بالأهمية ومركب النقص بالقوة والتحكم بخلق الله! ان ثقافة سلطان الأباريق تنسحب أيضا على بعض المدراء. 

تجدها في مبادئهم حيث انهم يؤمنون بالتجهم والشدة وتعقيد الأمور ومركزيتها لكي يوهموك بأنهم مهمون، وما علموا أن أهميتهم تنبع من كراسيهم أكثر من ذواتهم!!

ولقد جاء في الحديث الشريف الذي رواه الامام أحمد (اللهم من رفق بأمتي فارفق به ومن شق على أمتي فشق عليه)، ولكنك تستغرب من ميل الناس الى الشدة والى التضييق على عباد الله في كل صغيرة وكبيرة، ولا نفكر بالرفق أو اللين أو خفض الجناح، بل نعتبرها من شيم الضُعفاء!

انها دعوة لتبسيط الأمور لا لتعقيدها ولتسهيل الاجراءات لا لتشديدها وللرفق بالناس لا أن نشق عليهم، ولكم نحن بحاجة للتخلص من عقلية سلطان الأباريق (وما أكثرهم في هذا الزمان)، وهونها وتهون.

أشكر الكاتب (الاعلامي الكويتى خالد الحميدي القحص) على هذا المقال



تعليق :

ما أكثرهم في حياتنا هذه الأيام تجدهم في كل مكان؛ في الشارع، في العمل، في مؤسسات القطاع العام والخاص، هم بشر مثلنا يحاولون أن يضعوا لأنفسهم الكثير من الأصفار الى جانب أسمائهم الرنانة لنشعر بقيمتهم المضاعفة معتقدين أن قيمتهم الاجتماعية والمادية تزداد فقط لعلو شأن وظيفتهم أو لزيادة المال في خزينتهم أو حتى لفرط المسؤولية الملقاة على عاتقهم مستخدمين اسلوب التجبر والتعالي والغطرسة على الآخر! وأكثر ما يلفت أنتباهك فيهم أنهم يفهمون في كل شي؛ في العلوم والتاريخ والسياسة والفكر والأدب والفلسفة ثم يبهرونك بإطلاقهم الفتاوي الشرعية والدينية ! ويحكمون عليك حكما لا استئناف فيه!
سلاطين الأباريق كثر في حياتنا وعقدة الشعور بالأهمية ومركبات النقص بالقوة والتحكم في خليقة الله اصبحت تأخذ حيزا كبيرا في مجتمعنا! تلك هي مع الأسف النزعة الإنسانية التي اصبحت تقود بني البشر !!

 

إرسال تعليق

نرحب بك في موقعنا ونشرف برأيك فرأيك يهمنا وفقك الله

 
الى الاعلى