0


في زمنٍ تتسارع فيه التحولات وتتشابك فيه التحديات، يبرز التفكك الأسري كأحد أخطر الأوبئة الاجتماعية التي تنخر في جسد المجتمع بصمت. لم يعد الأمر مجرد حالات فردية تُروى في أروقة المحاكم أو تُهمس بها المجالس، بل بات ظاهرة مقلقة تستدعي وقفة جادة وتأملًا عميقًا.

لقد شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا لافتًا في نسب الطلاق، وتفككًا في الروابط الأسرية، وتراجعًا في قيم التراحم والتكافل التي كانت يومًا ما تُميز مجتمعاتنا. والأخطر من ذلك، أن هذا الانهيار لا يطال فقط العلاقة بين الزوجين، بل يمتد ليترك أبناءً تائهين، ومجتمعًا هشًا، وهويةً مهددة بالتآكل.

إن ديننا الحنيف لم يأمر إلا بالمودة والرحمة، ولم يُشرّع الزواج إلا ليكون سكنًا وأمانًا، لا ساحة صراع أو ميدان خصومة. قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾. فأين ذهبت هذه القيم؟ وكيف غابت عن بيوتنا؟

إننا أمام مسؤولية جماعية، تبدأ من الأسرة ولا تنتهي عند مؤسسات التعليم والإعلام والدولة. نحن بحاجة إلى إعادة الاعتبار للأسرة كقيمة، لا كمجرد إطار اجتماعي. بحاجة إلى خطاب تربوي وإعلامي يُعلي من شأن الحوار، ويُرسخ ثقافة الصبر، ويُعيد تعريف معنى "النجاح الأسري" بعيدًا عن المظاهر والضغوط المادية.

التفكك الأسري ليس شأنًا خاصًا، بل قضية وطنية تمس أمننا الاجتماعي واستقرارنا القيمي. وإذا لم نتحرك اليوم، فإن الغد قد يحمل لنا أجيالًا بلا جذور، ومجتمعًا بلا تماسك.

فهل ننتظر مزيدًا من الانهيارات؟ أم نبدأ من الآن في ترميم ما تهدّم، واستعادة ما فُقد؟

التالى
أحدث موضوع.
السابق
رسالة أقدم

إرسال تعليق

نرحب بك في موقعنا ونشرف برأيك فرأيك يهمنا وفقك الله

 
الى الاعلى