للأسف هذه الأيام أصبحت الموعظة و الحكمة تُوزَّع عبر الفلاتر والوعي يُباع في "الستوري" والكومنتات وعبر القستات في البثوث المباشرة
خرجت علينا موجة من "اللقمانيين" الجدد أفرادٌ نصبوا أنفسهم حكماء الزمان لا لأنهم ورثوا علمًا، بل لأنهم أتقنوا فن اقتباس الجمل المُضلِّلة، وأحسنوا أداء دور "المُنقذ الروحي" أمام كاميرا هاتفهم.
هم لا يملكون سجلًا أكاديميًا يُحتَرم، ولا تجربة حياتية تُروى، لكنّهم اكتسبوا لقب "أخصائي نفسي" و"مستشار أسري" ببركة الحسابات الشخصية، وجمهورٍ يتعامل مع "نصهم الصوتي" وكأنه منزلٌ من السماء.
للأسف كل يوم، يخرج علينا أحدهم بتوجيهٍ مثير للريبة لا تصارح زوجتك، لا تثق بصديقك، لا تستشير أهلك وكأن المجتمع يعيش حياةً غامضة، لا يَفهمها إلا هذا
"العبقري" الذي لم يُربِّ طفلًا، ولم يخض زواجًا، ولم يواجه اختبارًا حقيقيًا في ميادين العلاقات.
يتكلمون عن الصراع الأسري وكأنهم قادة جبهات، وعن الثقة وكأنها عملة نادرة، وعن الطلاق وكأنه "حلٌّ سحريّ" لكل من فقد ريموت التلفاز!
هم لا يُصلحون حالًا، بل يُثيرون الشكوك، ويشعلون نار النزاعات بالتلميحات المغلّفة بالنصيحة.
يجيدون تشويه العلاقات تحت مسمى "وعي"، ويبرعون في إلباس الانفصال عباءة "التحرر الذهني".
والطامة أن كثيرًا منهم يجلسون على عروش المتابعين، يُفتون في أدق تفاصيل الحياة
بينما تجربتهم لا تتجاوز غرفة نومهم، أو تجربة فاشلة أسموها "رحلة شفاء".
نحن لا نُخاصم العلم، ولا نستصغر أهل الاختصاص الحقيقي، لكنّنا نرفع لواء السخرية
في وجه من حوّلوا الميديا إلى عيادة نفسية متنقلة، لا تعرف معنى الخصوصية، ولا
تحترم عمق التجربة البشرية.
أيها "اللقمان الرقمي"، أرحنا من وصاياك، فقد بلغنا سن التمييز، وفهمنا أن الحكمة لا تأتي من المقطع القصير، بل من الموقف الطويل، وأن العقل لا يُباع في منصّات المحتوى، بل يُصقل في ميادين الحياة.
إرسال تعليق
نرحب بك في موقعنا ونشرف برأيك فرأيك يهمنا وفقك الله